يُحكى أن مجموعة من الأنانيين اختلف أفرادها ذات مرة مع أفراد مجموعة أخرى من الإيثاريين، فراح الأنانيون يصرّون على أنهم أكثر غيرية واهتماماً ببعضهم من أفراد المجموعة الأخرى.
اقترح أحد أفراد المجموعة الثانية الإحتكام إلى حكيم المدينة الذي كان موضع تقدير واحترام من الجميع، فراقت الفكرة لإفراد المجموعتين وذهبوا يستفتونه في الأمر.
رحّب الحكيم بهم، وبعد أن استمع إلى دعواهم، أمر بإعداد وليمتين، واحدة لكل مجموعة، على أن يتناولوا الطعام في ركنين منعزلين، بحيث لا يرى أفراد المجموعتين بعضهم أثناء تناول الطعام.
قبل إحضار الطعام، أحضر الحكيم حزمة من العصي وطلب من أفراد كل مجموعة أن يمدّوا أذرعهم إلى الأمام.
امتثلوا لأمره فراح يضع عصاً بمحاذاة كل ذراع ممدودة ويربطها ربطاً محكماً بخيط متين بحيث لا يستطيع صاحب تلك الذارع أن يلويها نحو وجهه.
عند الإنتهاء من ربط جميع الأذرع أمر بإحضار الغداء وطلب من الجميع القيام إلى الطعام ليأخذ كل منهم نصيبه منه، وراح يتنقل جيئة وإياباً بين المجموعتين ليرى ما سيفعل أفراد كل منهما.
ما أن تحلـّق الأنانيون حول المائدة (أو السمّاط) حتى راح كل منهم يمد يديه فيأخذ بعض ما يشتهيه، ولأنه لم يستطع إيصاله مباشرة إلى فمه، كان يرفع كلتا يديه إلى فوق ويرمي الطعام فاتحاً فمه ليلتقط ما عسى أن يسقط فيه.. ثم يكرر المحاولة فيصيب بعض الطعام ويسقط البعض الآخر خارج فمه المفغور.
بدا ما يفعلونه طبيعياً بالنسبة لهم، لكن ليس للمضيف.
ثم تركهم وذهب إلى مجموعة الإيثاريين فوجد كل واحد من أفرادها يمسك الطعام بيديه ويقرّبه من فم زميله الجالس قبالته، وبذلك تمكنوا من إطعام بعضهم بعضاً دون فقدان أي مقدار من الطعام، ودون أن تتلطخ وجوههم والثياب.
شبع الإيثاريون وشكروا مضيفهم على الوليمة، في الوقت الذي كان فيه الأنانيون لا يزالون يهوون بالطعام على وجوههم ومعداتهم تصرخ "هل من مزيد؟"
أصدر الحكيم قراره وطلب من الأنانيين أن يقتدوا بأفراد المجموعة الثانية لأن الأنانية خصلة دميمة وذميمة بينما الإيثار مزاياه كريمة وفوائده جمة وعميمة.
ومما قيل في الإيثار والأنانية
لا يُدعى الإنسان أنانياً لأنه يهتم بنفسه فقط، بل لأنه لا يهتم بغيره.
من يحيا ليخدم نفسه لا غير، يخدم العالم بموته.
أرني شخصاً يمكنه الذهاب إلى الجنة بمفرده وسأريكَ شخصاً لن تفتح له أبوابها.
الإيثار عنوان السمو وجوهر مكارم الأخلاق.
الأكثر اهتماماً في الآخرين وخدمة لهم، هو الأسعد والأكثر توفيقاً ونجاحاً في الحياة.
تتلاشى الفضائل في الأنانية مثلما تتلاشى الأنهار في البحار.
الأنانية هي أصل ومنبع كل الشرور الطبيعية والأدبية.
كلما ساخت أنانية الإنسان في الحضيض، كلما ارتفعت نفسه وعظم قدره.
الأنانية والسعادة لا تجتمعان.
عندما يتساوى الكل في الأنانية، لا يختلف العاقل عن الأحمق، بل قد يكون أشد خطراً منه.
ويزيدنا المتنبي من الشعر بيتاً بقوله:
أرى كلنا يبغي الحياةَ لنفسهِ
حريصاً عليها مستهاماً بها صبّا
فحبُّ الجبانِ النفسَ أوردَهُ البقا
وحبُّ الشجاعِ الحرصَ أوردهُ الحَربا
ومسك الختام قول النبي عليه السلام:
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
منقول
الكاتب : محمود عباس مسعود